Sunday 18 November 2018

تقييم الشركات الناشئة حسب كل مرحلة

تمر الشركات الناشئة – التكنولوجية تحديداً - بثلاث مراحل رئيسية، لكل مرحلة صفاتها و مخاطرها وتحدياتها. بعضها يموت في مراحله الأولى، والبعض في المرحلة الثانية، وجزء بسيط ينجح في الوصول للمرحلة الثالثة وتحقيق النمو والانتشار. من خلال متابعتي لكثير من الشركات الناشئة، فإنه يمكن تقسيم حياة الشركة إلى: مرحلة ما قبل المبيعات، ثم البحث عن نموذج العمل المناسب، ثم مرحلة النمو. هذه المراحل تتداخل في أحيان كثيرة، كما أن بعضها قد لاتمر به الشركة أصلا، ولكن هذا ليس مجال بحثنا في هذا المقال، بل إن ما يهمنا في هذا المقال هو كيف نقيم الشركات الناشئة في كل مرحلة من هذه المراحل. 
تجدر الإشارة إلى أن المقيمين يستخدمون، في الغالب، منهجين لتقييم أي شركة. المنهج الأول هو التدفقات النقدية المخصومة والمعتمد على توقع مستقبلي للأداء المالي للشركة، والثاني هو المقارنة السوقية بالشركات المشابهة ثم تقييم الشركة بناء على التقييمات التي تحصل عليها مثيلاتها. أي من هذه الطرق يصلح لتقييم شركة تكنولوجية ناشئة؟ 
لنشرح كل مرحلة بقليل من التفصيل ثم نتبعها بالطريقة المثلى للتقييم، وآمل ملاحظة أن هذا المقال يحتاج لإلمام بسيط بمادئ الاستثمار والمالية، لانه سيتطرق لبعض الأمور الفنية. 
المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل المبيعات. 
تبدأ الشركة بفكرة ثم يقرر المؤسس او المؤسسون تنفيذها. في هذه المرحلة يكون التركيز على تطوير البنية التحتية للمنتج، وهي تحديدأ التكنولوجيا التي ستستخدم سواء كان موقعاً أو منصة او تطبيقا. بالإضافة إلى ذلك، فسيقوم الفريق الريادي بوضع خطة عمل تشمل شريحة العملاء المستهدفة وقنوات البيع والتسعير. مايميز هذه المرحلة هو التالي: لايوجد مبيعات، ولكن يوجد افتراضات كثيرة حول قابلية السوق للمنتج الذي يقدمونه من ناحية السعر والقيمة المضافة. كما أن الفريق المؤسس هو حجر الزاوية في هذه المرحلة، فالشركة هنا هي فقط عبارة عن فريق ومنتج لم يتم بيعه. 
في هذه المرحلة، فإن استخدام أياً من هذه الطرق المذكورة أعلاه يعد ضرباً من العبث برأيي. سبق وناقشنا في مقالات سابقة حول أن الشركات في هذه المرحلة لايوجد لها قيمة، لانها لم تصبح كيانات اقتصادية بعد، بالتالي فإن مصطلح " تقييم " لاينطبق عليها في الاصل. كما أن استخدام الطرق المذكورة يحتاج لتاريخ تشغيلي يستطيع المستثمر او المقيم البناء عليه، وهو ما لا يتوافر في مرحلة ماقبل المبيعات. إذا كيف يحدد المستثمر قيمة حصته في الشركة ؟ لاتوجد معادلة واضحة تحدد مقدار الحصة مقابل الاستثمار في هذه المرحلة. ولكني أميل إلى أن أي مبلغ يستثمر في الشركة يجب أن لايحصل المستثمر ( او المستثمرين مجتمعين ) على حصة تزيد عن 10-15%، بشرط أن يكون المبلغ كافياً لنقل الشركة إلى المرحلة التي تليها، فإذا لم يكن كافيا فحتى هذه النسب ستكون كثيرة. التبرير الذي أقدمه هنا هو أن المبالغ التي تحتاجها الشركة في هذه المرحلة، غالبا، هي مبالغ بسيطة لإكمال تصميم المنتج أو الخدمة، بالتالي فليس من المنطق أخذ حصة كبيرة في البداية مقابل مبالغ قليلة، حيث أن الشركة مقبله على جولات استثمارية أكبر وسيخسر المؤسسون حصص أكثر. لنتذكر أن المستثمر يجب يراعي نسبة تملك المؤسسين، خاصة في هذه المرحلة، وليس من الحكمة أن يقوم باخذ حصص كبيرة في الأيام الأولى من عمر الشركة حيث سيتسبب بأضرار ليس على الشركة والمؤسسين فقط، بل على على استثماره أيضاً. 
المرحلة الثانية: البحث عن نموذج عمل 
تدخل الشركة في هذه المرحلة بعد ان يبدو كل شيء واضحاً والخطة محكمة وجاهزة للتنفيذ، لذا يقرر الفريق النزول للسوق وبدء البيع. ولكن تكتشف الشركة أن المبيعات جاءت أقل من المأمول. تبحث عن السبب وتتحدث إلى العملاء، لتجد أن كثيراً منهم لم يعجبهم السعر، وجزء آخر لا يحتاجون المنتج أصلا ، ومجموعة ثالثة تحتاجه لكن ليس بالشكل الحالي له. هنا يواجه الفريق تحدي مهمة في إعادة تصميم نموذج العمل، فيقومون بإعادة تسعير المنتج وربما طريقة إنتاجه وأسلوب البيع. مايميز هذه المرحلة هو أنه يتم اختبار الفرضيات التي كانت لدى في الفريق في المرحلة الأولى. فالسوق له رأيه الذي قد يختلف عن الفرضيات التي لدى الشركة الناشئة. في هذه المرحلة، تبدأ ملامح النموذج التشغيلي بالظهور، ويزيد الحمل على الفريق المؤسس للتوصل إلى منتج يرضي العملاء. 
برأيي، فإن التقييم هنا يمكن أن يبنى بالنظر إلى تقييمات شركات مشابهة لها في المرحلة أو القطاع، مع مراعاة حصص المؤسسين. عادة مايقيم المستثمرون شركات في نفس المرحلة ولديها نموذج تشغيلي مشابه - ولكن ليس بالضرورة نفس القطاع - ومن ثم الاستئناس بهذه التقييمات وجعلها أساس للتفاوض. في الغالب، فإن التقييم في هذه المرحلة يعتمد على مضاعفات المبيعات. فالشركة ستكون خاسرة ولكن لديها مبيعات، فالتقييم يكون، مثلاً، عشرة مضاعفات للمبيعات او 15 مضاعف، بمعنى أن شركة مبيعاتها مليون ريال، يتم تقييمها بعشرة ملايين وهكذا. لكن، مرة أخرى، يجب الأخذ بالاعتبار حصص المؤسسين وأن لايتم إضعاف اهتمامهم بالشركة في هذه المرحلة، لان الشركة لازالت تعتمد عليهم بشكل كبير ولازالت بحاجة إلى استثمارات مستقبلية ستأكل من حصصهم المتبقية. لذا لا أعتقد أنه من المناسب أن يخسر المؤسسون أكثر من 20-25% حصة إضافية. 
ماذا لو كان التقييم منخفض مما سيقود إلى خسارة حصص أكبر؟ هنا لدينا حل من ثلاثة حلول، إما أن يتم تخفيض المبلغ المستثمر أو أن يرفع التقييم أو كلاهما. وهذا في الغالب يتم حله عن طريق التفاوض. المستثمر المتمرس غالبا ينتبه إلى هذه النقطة ولايدفع المؤسسين إلى خسارة حصص كبيرة. أيضاً سأفترض أن الاستثمار سيساعد الشركة في الوصول لنموذج عمل ومنتج مناسب للسوق، وتهيئتها لمرحلة النمو والتوسع. ما لا يمكن تطبيقه هنا هو طريقة التدفقات النقدية المخصومة، لأن هذه الطريقة تتطلب رؤية واضحة للأسعار وعدد الوحدات المباعة بالإضافة إلى هيكل التكاليف، وهو ما تفتقر إليه الشركة في هذه المرحلة تحديداً. 
المرحلة الثالثة: مرحلة النمو
بعد مجموعة من عمليات التعديل والتجريب، ونجاح الشركة في الوصول إلى منتج بسعر وجودة مقبولة لدى غالبية العملاء، تنتقل الشركة إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة النمو. في هذه المرحلة، تقوم الشركة بعملية تسويق مكثفة، وتبدأ بالبيع بكميات كبيرة. وصول الشركة لهذه المرحلة يعني أنها تحتاج لضخ استثمارات كبيرة لمواجهة الطلب الناتج عن عمليات التسويق. مايمز هذه المرحلة هو وضوح نموذج العمل، حيث تقوم الشركة بتكرار نفس اجراءات العمل ولكن بأحجام أكبر. كما أنها تتميز بتراجع أهمية المؤسسين و ارتفاع أهمية الخط الثاني من القيادات. 
التقييم في هذه المرحلة يمكن أن يبنى على طريقة التدفقات النقدية المخصومة. فالسعر واضح والسوق قد قبل به، وهيكل التكاليف استقر على هوامش معينة، لذلك فإن الشركة هنا حتى وإن كانت خاسرة فإنها يمكن من الناحية الفنية أن تبني نموذج مالي لسنوات قادمة حتى تصل للربحية. أيضاً يمكن استخدام طريقة المقارنة السوقية، وفي الغالب فإن المقيم يقوم بتطبيق كلا الطريقتين ثم يتوصل لتقييم عادل للشركة. في هذه المرحلة أميل إلى أن يتم تقييم الشركة بغض النظر عن حصص المؤسسين، فالشركة أصبحت كيان اقتصادي قائم ومن المفترض أن تعمل حتى بغيابهم. وعلى أية حال، فإن هذا الأمر عائد لتقدير المقيم أو المستثمر، فلو رأى أن الشركة لازالت تقوم على الأشخاص، فالواجب مراعاة ذلك. 
إذا فهذه هي المراحل التي، من وجهة نظري، تمر بها غالبية الشركات الناشئة قبل أن تتحول إلى شركات ناضجة تنمو بنسب طبيعية. من المهم للمستثمر أن يعرف إلى أي مرحلة وصلت الشركة التي يرغب بالاستثمار بها. هذا سيسهل عليه عملية تقييم المخاطر والعوائد، ثم على ضوءها معرفة الأسلوب الأمثل لتقييم الشركة قبل الاستثمار بها. وكما رأينا فإن التقييم يختلف في كل مرحلة باختلاف أهمية الفريق المؤسس ونموذج العمل او الاستقرار والنمو. هذه العناصر لانجدها في الغالب في الشركات الكبيرة والمستقرة، لذا فإن المقيمين والمستثمرين لايجدون إشكالاً في تطبيق الطرق الفنية المعروفة، اما في الشركات الناشئة – التكنولوجية خاصة – فإن هذه الكيانات لها خصائصها التي تميزها، ومن ثم فإن التقييم يجب أن يراعي هذه الخصائص. 

نتفلكس وثلاثة قصص

الغريب في القصص الثلاث لشركة نتفلكس التي سترويها هذه المقالة، أنها تتكرر كثيراً بشكل أو بآخر، بل وأنها تشير إلى تساؤل حول تعنت بعض الشركات الكبيرة وإصرارها على معاندة التاريخ.
أسس ريد هيستنقس و مارك راندولف نتفلكس في نهاية التسعينات. حينها لم يكن يستخدم مشغلات الدي في دي إلا عدد قليل من الأمريكان لم يتجاوز 2%. قام المؤسسان بزيارة الرئيس التنفيذي لشركة بلوك باستر، الشركة التي كانت تسيطر على سوق تأجير الأفلام حينها. كان الهدف من الزيارة هو أن يعرض فريق نتفلكس على بلوك باستر أن تقوم نتفلكس بتشغيل الموقع الالكتروني لبلوك باستر. كان مؤسسوا نتفلكس يرون أن سوق الدي في دي في بشكله البدائي أنذاك في طريقة للاندثار وأن الاتجاه العام هو إلى الانترنت. ماذا فعل الأخ المدير التنفيذي لشركة بلوك باستر؟ قام بطردهم. كان الرجل يعتقد أن التكنولوجيا لاتشكل خطراً على أعمال شركته المسيطرة على السوق آنذاك. النتيجة النهائية، أفلست بلوك باستر ونجحت نتفلكس. صحيح أن قصة بلاك باستر هي أكثر تعقيداً، وأنها استدركت وقامت بمحاولات لمنافسة نتفلكس بل وكانت قاب قوسين من التفوق، إلا أن الاستراتيجية كانت خاطئة من البداية، وكان لديها فرصة التعاون مع نتفلكس بدلاً من منافستها.
بعدها بسنوات، علق السيد جيفري بيوكس، المدير التنفيذي لشركة تايمز وارنر – عملاق الترفيه والأعلام -  على توقعات الجميع بأن تسيطر نتفلكس على سوق الترفيه المرئي، علق بشيء من الاستهزاء. قال السيد بالحرف الواحد، أن هذا القول يشبه أن يتنبأ أحدهم بأن يسيطر جيش ألبانيا على العالم. كان رد هيستقنس بأن اشترى قبعات الجيش الألباني وقام بتوزيعها على موظفي نتفلكس.
أخيراً، حين قررت نتفلكس أن تطلب من المستخدمين دفع اشتراكات شهرية، علق " خبير " في سيلكون فالي أنها خطوة غبية. وعلى الرغم من أن تأثيرات الخطوة كانت سلبية على المدى القصير، إلأ أن الشركة حققت نمواً هائلاً بعدها على مستوى المشتركين والإيرادات.
مايستفاد من قصة نتفلكس هذه هو أن بعض الشركات الكبيرة والمستقرة، تثير الاستغراب بسبب تكرارها لأخطاء أسلافها . قد تكون قيادات هذه الشركات جيدة وتعمل لساعات طويلة، لكنها تكررأخطاء وقعت فيها شركات أخرى، وفي أغلب الظن أنهم على اطلاع على هذه التجارب المؤسفة. إنك حين تقرأ بعضاً من الخطط المستقبلية للشركات، تتعجب من استمرار نفس نموذج الأعمال القديم وغياب عناصر الابتكار والتحديث.

هل يقوم مستثمروا رأس المال الجريء بعملية تقييم حقيقية؟

تحدثنا في المقال السابق عن أن مايقوم به مستثمروا رأس المال الجريء ماهو إلا عمليات تمويل هجينه. هي تمويلات بها صفات الدين والملكية في آن واحد. وأن هذه الهيكلة الهجينة هي ماتتسبب في خلق تقييمات مرتفعة لشركات ناشئة.
فالتقييم فيقوم على أسس معينة أهمها النظر إلى التاريخ التشغيلي للشركة، ومن ثم بناء قصة مستقبلية يدعمها هذا التاريخ التشغيلي. وهناك طرق فنية عديدة ليس هذا المقال مجال للتطرق إليها. لكن الأهم هو أن هذا التقييم يقودنا بشكل نهائي للحصول على قيمة " عادلة" يمكن، واقعياً، بيع الشركة (بشكل كامل) أو جزئي، بناء عليها. اما التمويل فلا ينظر غالباً لقيمة الشركة، بل إلى قدرتها على الوفاء بالتزامتها وتسديد الدين خلال مدة زمنية يتم الاتفاق عليها.
مايحدث في الصفقات التي يقوم بها مستثمروا رأس المال الجريء هو بين هذا وذلك. فليس لدى الشركة تاريخ يمكن بناء توقعات مستقبلية عليه، ولكنهم في نفس الوقت يشترون حصصاً، بالتالي هي عملية أقرب للتقييم. في المقابل، فإن هذا التقييم لايعكس قيمة الشركة الحقيقية لأنه، كما شاهدنا في المقال السابق، لا أحد يقبل أن يشتري كامل الشركة، بالتالي فهذا اعتراف ضمني بأن الشركة بوضعها الحالي ( لاتستحق) هذه القيمة، وهذا ينفي عنها صفة التقييم.
باعتقادي أن المستثمر في الأصل هو مشروع ممول، لكن قياس العوائد والمخاطر أجبره على التحول من ممول إلى مستثمر. كيف؟ قد يقبل أي ممول أن يمول الشركة الناشئة بمبلغ معين وعائد معين لأنه يؤمن بأنها قد تنجح. لكن هذا التمويل فيه مخاطر عالية، قد تذهب بتمويله أدراج الرياح، لذلك من الحكمة أن يكون مستثمراً يتملك حصصاً على أن يكون ممولاً يقبل بعائد  معين، لأنه وكما هو معروف، فالعائد على الملكية أعلى من العائد على الدين، وفي حالة الشركات الناشئة، فإن الفرق يكون كبيراً وكبيراً جداً.
مثال، لو عرضنا على ممول أن يقوم بتمويل شركة ناشئة بفائدة  15% سنوياً يستردها خلال سنتين، أو أن يقبل حصصاً في الشركة يبيعها خلال خمس سنوات بعوائد 40% سنوياً. هنا لدينا احتمالين:  لو ساءت الأمور، فإنه سيخسر ماله في كلا الحالتين. واذا نجحت الشركة فيحصل على عوائد من الملكية أعلى بمرتين ونصف من الدين. فلماذا يكون ممولاً ولايكون مستثمراً؟
إن تقييم الشركة الناشئة يأتي بهدف أساسي ووحيد: هو (تمويل ) قصة حالمة يرويها المؤسسون ويصدقها المستثمرون. هذه القصة لاتدعمها عمليات تشغيل تاريخية طويلة بحيث يمكن قياس احتمالية نجاحها، ولكنها تعتمد بشكل أساسي على قدرة المستثمر وخبرته، وحدسه في أحيان كثيرة، في قياس هذه الاحتمالات. كما أن هذه العملية برمتها لاعلاقة لها ببيع أو شراء كما تبدو بشكلها القانوني. لكن مايجبر الممول على شراء حصص هو تشابه مستوى المخاطر مع تباين معدلات العوائد.
هذا هو الفرق الجوهري برأيي والذي يتسبب بارتباك بعض المتابعين لصفقات مستثمري رأس المال الجريء، ويقودهم للتساؤل حول منطقية التقييمات التي يبنى عليها الاستثمار. والمتوقع، أن غالب أو كل مستثمري رأس المال الجريء لن يتفقوا مع هذا التحليل. فالعملية برمتها أصبحت آلية ومبرمجه، لكن لو نظرنا إلى تفاصيلها الدقيقة، فقد نتفق مع هذه المقاربة.

كيف يتم تقييم شركة تقنية ناشئة بملايين الريالات؟

شركة تقنية، تملك تطبيقا واحداً، بدأت أعمالها قبل أشهر فقط، ومع ذلك تسمع أن مستثمرين رأس المال الجريء قاموا بشراء حصص بسيطة بناء على تقييمات بملايين الريال، هذه التقييمات تفوق بمرات عديدة تقييم شركات مستقرة وذات عمليات مستمرة ولديها اصول ملموسة. قد يكون التبرير أن الشركات التقنية تنمو بشكل سريع وعوائد الاستثمار فيها مرتفعة جدا، وهذا صحيح. لكن إليك الحقيقة الصادمة: لو عرضت هذه الشركة التقنية للبيع كاملة فلن تجد مستثمراً واحداً – لديه الحد الأدنى من الذكاء - يشتريها بهذه التقييمات، ولا حتى بربع التقييم. اذا هم يوافقون على شراء (حصة بسيطة) من الشركة بتقييمات عالية جداً، ولكن سيرفضون شراء ( كل ) الشركة بنفس التقييم. هل هؤلاء المستثمرين أغبياء؟ بالطبع ليسوا كذلك.
هذه المقالة والمقالة اللاحقة لها ستحاول فهم كيف تتم هذه العملية التي تبدو غير منطقية لأول وهلة.
بدايةً، يجب أن نعرف كيف ينظر المستثمر لهذا النوع من الاستثمارات الخطرة. قبل عملية اتخاذ القرار، يقوم المستثمر بدراسة عناصر كثيرة، منها حجم السوق والقدرة على التوسع السريع ونموذج الأعمال وكفاءة المؤسسين، إضافة إلى عنصرين مهمين جداً وهما (نسبة ملكية مؤسسي الشركة) و (المبلغ المطلوب استثماره). هذان العنصران، برأيي، هما اللذان يدفعان تقييمات شركات بلا تاريخ تشغيلي لأن تصل لخانة الملايين.
أما العنصر الأول، فلأن المستثمر يضع كثير من الآمال على الفريق المؤسس ويعتبر أنهم أحد أسباب قراره بالاستثمار، فهو يحرص بشكل كبير على أن يستمر المؤسسون في قيادة الشركة مدة كافيه وغالبا ماتكون هي نفسها مدة وجود المستثمر في الشركة. وحتي يضمن ذلك، فإنه لايكتفي بالضمانات القانونية فحسب، بل ويحرص على أن تكون حصص المؤسسين كافيه لاستمرارهم بالعمل بالزخم المطلوب.
 أما العنصر الثاني، فالمستثمر غالبا ما يرغب أن يكون المبلغ المطلوب استثماره  في الشركة كافياً حتى تنتقل للمرحلة التالية. عادة،  يقوم المستثمر بدراسة مكثفة للمبلغ الذي يرغب المؤسسون بجمعه بهدف التأكد أن هذا المبلغ سيكون كافياً لتمويل عمليات الشركة الناشئة لمدة لاتقل عن 18 او 24 شهراً.
اذا فهمنا هذين العنصرين بشكل كامل، عرفنا لماذا يجب أن يكون التقييم مرتفع.
لنأخذ مثالاً توضيحياً. شركة ناشئة تعمل في مجال التجارة الالكترونية، قام المؤسسون بإنشاء الموقع الذي كلفهم 200 ألف ريال، لكنهم لم يبدأو العمل لعدم وجود تمويل كافي. تحتاج هذه الشركة لمبلغ 800 ألف ريال لاستقطاب موظفين ولدفع إيجار مستودع صغير للسنتين القادمتين. ذهبوا لمقابلة أحد المستثمرين الذي أعجب بالفكرة وبالفريق الريادي، فوافق على تمويلهم بالمبلغ كامل. كم يجب أن تكون حصته مقابل 800 ألف ريال؟
المؤسسون الآن يملكون 100% من الشركة. فلو قرر المستثمر أن يحسبها بشكل مبسط، فسيقول أنتم دفعتم 200 ألف ريال، وأنا سأدفع 800 ألف ريال، بالتالي ستكون حصتي 80%، والمؤسسون 20%. تبدوا هذه الحسبة منطقية وعادلة، لكنها في هذا النوع من الاستثمار ستكون خطوة غير موفقة. السبب أن أخذ حصص كبيرة بهذا الشكل من أول يوم يضعف رغبة المؤسسين في العمل، لأنهم حينها سيتحولون إلى أقلية في شركتهم التي قاموا بتأسيسها. وما سيزيد الطين بلة، أن الشركة ستقوم بجمع استثمارات أخرى بعد انتهاء السنتين مما سيضعف مكليتهم بشكل أكبر، وحينها سيتحولون لمجرد موظفين بملكيات بسيطة جداً، مما سيقتل لديهم روح المبادرة والانجاز. هذا سيضر المستثمر في المقام الأول، وسيتسبب غالبا في موت الشركة الناشئة.
إذا مالحل؟ الحل هو أن يرضى المستثمر بحصة أقلية، وفي هذه الحالات لاتتجاوز 25% غالباً، وبالتالي سنجد أنه تم تقييم الشركة عند 3.2 مليون ريال. إذا فشركة لديها موقع الكتروني فقط، ولم تبدأ حتى بالعمل تم تقييمها بأكثر من ثلاثة ملايين ريال.
ماذا لو قرر المؤسسون بيع كامل الشركة والتخارج منها؟ هل سيشتريها أحد بثلاثة ملايين ؟ أو حتى بخمسمائة ألف ريال؟ بالتأكيد لا.
لماذا يحدث هذا تحديداً في مثل هذه الصفقات؟ برأيي أن مايقوم بها مستثمروا رأس المال الجريء ماهي إلا عمليات (تمويل) مثله مثل تمويلات البنوك، لكنه تمويل هجين لايمكن هيكلته إلا بطريقة شراء حصص.  وأن مايسمى " تقييماً " هو ليس تقييماً بمعناه الحقيقي، فلا أحد يرغب بشراء موقع بثلاثة ملايين ريال، في حين أن تكلفته 200 ألف ريال. في المقال القادم سنتحدث عن هذه الجزئية بشيء من التفصيل.

ماهي الديون القابلة للتحويل Convertible Notes ؟

قبل أن تقرأ هذه المدونة، أنصحك بقراءة المدونة السابقة .   س / ماهي الديون القابلة للتحويل ( Convertible Notes ) ؟ ج  / هي ببساطة د...